U3F1ZWV6ZTE2NDAzNzE1MDYwMTE2X0ZyZWUxMDM0ODg4MTkwMzEzNw==

البردي

 البردي

      كان لمصر فضل الريادة قبل غيرها في معرفة الكتابة، وبالتالي كانت أقدم من غيرها من الحضارات في معرفة العديد من أدوات ومواد الكتابة التي استخدمها الكتبة المحترفون، كما استخدمها المتعلمون بوجه عام.

        
                                     نبات البردي
وقد عبر المصري بصور عديدة عن احترم مهنة الكتابة، ولهذا أعد تماثيل للكتبة وصورهم على المنشآت وعلى مواد الكتابة وهم يحملون أدواتهم، كما ترك لنا الفنان المصري عددًا كبيرًا من أدوات الكتابة، يزخر بها المتحف المصري وغيره من المتاحف.

البردي واللوتس رمزي الشمال والجنوب

ولعل من أقدم تماثيل الكتبة تمثال "كا-وعب" أحد أبناء الملك خوفو، والذي يمثله جالسًا في وضع القرفصاء يبسط لفة البردي على فخديه، ويمسك بريشة الكتابة في يده اليمنى، وكأنه ينتظر ليكتب ما سيملى عليه
ومن أقدم المناظر التي صوَّرت الكاتب وأدواته تلك التي نقشت على اللوحات الخشبية التي كانت تضمها مصطبة "حسي-رع" من الأسرة الثالثة في سقارة، والتي تمثله واقفًا أو جالسًا يعلق أدوات الكتابة على كتفه.

 

                          لوحة "حسي-رع" من الأسرة الثالثة في سقارة

تتكون أدوات الكاتب من مقلمة مصنوعة من الخشب، تحتوي غالبًا على ثلاث فجوات؛ اثنتين في شكل دائري لوضع أقراص الحبر، إحداهما للحبر الأحمر، والأخرى للحبر الأسود. أما الفجوة الثالثة فكانت طويلة، وتحتوي على الأقلام، ويخرج من المقلمة خيط يربط فيه إناء صغير يتضمن ماءً يستخدم لإذابة أقراص الحبر. ويتصل بالآنية جراب يضم أكثر من ريشة للكتابة.
أما فيما يتعلق بالأحبار، فكانت تصنع من مواد طبيعية. فالحبر الأحمر يستخرج من المغرة الحمراء (أكسيد الحديد)، والأسود من مادة الكربون المستخرجة من السناج الناتج عن احتراق بعض المواد، والأزرق من مادة كربونات النحاس الزرقاء، والأخضر من مركبات النحاس (الملاخيت)، والأبيض من مسحوق الحجر الجيري (كربونات الكالسيوم).

                                                   مجموعة من التلاميذ يمارسون الكتابة
 
وكان يضاف إلى هذه الألوان الصمغ العربي، أو الغراء الحيواني المذاب في الماء لتثبيتها. وكانت تطحن معًا حتى يصبح المزيج ناعمًا، ويجفف ليتخذ شكل القرص، ويثبت في فجوة المقلمة.
وكان الحبر الأسود أكثر استخدامًا على البردي. أما الأحمر فكان يستخدم لتحديد بداية الفقرات، ولتصحيح الأخطاء.
أما الفنان الذي كان يرسم على جدران المقابر، فكان يخطط أولاً بالحبر الأحمر، ثم يرسم ويصحح بالحبر الأسود. وفيما يتعلق بالقلم الذي كان يستخدمه الكاتب. فقد كان يصنع من نبات الحلفا المعروف في اللغة المصرية القديمة باسم "سوت"، وكان الجزء الأفضل في الساق هو الذي يستخدم، حيث يقطع طرفه بشكل مائل ليبدو مدببًا. أما فيما يتعلق بمواد الكتابة فكان هناك البردي، والأوستراكا، والعظم، والعاج، والخشب. غير أن أكثرها شيوعًا كان البردي والأوستراكا (أي: اللخاف، أو شقف الفخار).

     البردي
تمثل صناعة الورق من نبات البردي علامة بارزة على طريق الحضارة المصرية. وكانت نقلة كبيرة في حياة الإنسان، فبدلاً من النقش على الحجر وما يمثله من جهد ووقت ومال، بالإضافة إلى كون الكتابة على الحجر ليست عملية في شيء، فالخطأ وارد، وتصحيح الخطأ صعب، ويتطلب أحيانًا استبدال الحجر. كما أن نقل الحجر حتى إلى المسافات القصيرة يمثل عبئًا كبيرا. لقد سهل ورق البردي نقل الثقافة والعلم والأخبار من مكان إلى مكان داخل مصر، كما لعب دورًا كبيرًا في تسهيل الاتصال بين مصر ودول العالم الخارجي.
ولأن البردي كان اختراعاً مصريًّا أصيلاً، فقد جرى تصديره من مصر إلى بعض الدول المحيطة بها. ونتصور أن ميناء "بيبلوس" (جبيل حاليًّا) في لبنان يحمل اسمًا محرفًا عن الاسم المصري القديم واليوناني للبردي "بابرعا" و "بابيروس"، ولابد أن هذا الميناء كان ميناء تصدير هذا الورق إلى دول حوض البحر المتوسط. ولا نعجب إذن، إذ كتب فيلسوف يوناني لزميله قائلاً: "لم نعد نستطيع أن نكتب لأن البردي لم يعد يصلنا من مصر".

  
                                                            أحراش الدلتا

والبردي نبات مائي ينمو في الأحراش والمستنقعات، وينتمي للعائلة السعدية التي لم تعد تنمو في أحراش الدلتا، ولكنها لا تزال تنمو في السودان. وهو نبات مثلث الساق يصل ارتفاعه إلى حوالي 6 متر، ويعرف علميًّا باسم Cyprus- Papyrus.
والبردي إلى جانب استخدامه في صناعة الورق، استخدم كذلك في صناعة القوارب النيلية، والسلال وغيرها.
يتكون ساق البردي من جزأين: قشرة خارجية رفيعة صلبة كقشرة القصب، ولب داخلي هو الذي يستخدم في صناعة الورق.
لم يترك المصري القديم لنا نصًّا يتحدث عن صناعة الورق من هذا النبات، وإنما شرح لنا المؤرخ "بليني" بعض خطوات هذه الصناعة، حيث ذكر أن الساق تقطع إلى قطع صغيرة يستخرج منها شرائح ترص إلى جانب بعضها البعض، ثم توضع فوقها متعامدة عليها مجموعة أخرى من الشرائح، ثم تبلل في ماء النيل، وتجفف تحت أشعة الشمس.
والواقع أن ما ذكره بليني لا يختلف كثيرًا عن المراحل التي تمر بها صناعة الورق من نبات البردي من خلال التجارب التي جرت في القرن الماضي، باستثناء أن بليني لم يذكر أن القشرة الخارجية كانت تنزع ثم تعد الشرائح، وهو أمر كان يحدث في مصر القديمة، وأكدته التجارب الحديثة، وإن كانت هناك بعض التفاصيل، مثل نقع الشرائح في ماء نقي، ووضع قماش أسفل وفوق الشرائح لامتصاص الماء، ثم يدق على الشرائح لحوالي ساعتين بمدق خشبي، ثم يوضع الورق في مكبس صغير لتحقيق التحام الشرائح.
أما عن اسم "بردي" فهو مشتق من الكلمة المصرية القديمة المركبة "بابرعا"، والتي تعني: "المنتمي للقصر"، إشارة إلى أن صناعة البردي كانت احتكارًا ملكًّيا، ثم حرفت إلى "بابرو" في القبطية لتصبح "بابروس" في اليونانية، ثم (Papyrus) وجمعها (Papyri) في اللغات الأوروبية، ثم "بردي" في العربية، مع ملاحظة إضافة حرف "د" وسقوط أحد حرفي "الباء"، ثم أصبحت (Paper) في الإنجليزية.
وكان لورقة البردي وجهان: الوجه الأول ذو الألياف العرضية (الأفقية)، والذي يعرف باسم (Recto)، وهو الذي يستخدم للكتابة، أما الوجه الآخر (خلفية البردية) ذو الألياف الطولية (الرأسية)، فيعرف باسم (Verso)، والذي لا يستخدم إلا في حالات نادرة كاستكمال النص، أو كتابة عنوان المرسل إليه بحيث يظهر من الخارج عندما تطوي البردية لتأخذ شكل "اللفافة"، وهو الشكل الذي حافظنا عليه في زمننا الحديث والمعاصر عندما نطوي وثائقنا الهامة، وخصوصًا في ريف مصر.
 
    الأوستراكا
إن مادة الكتابة التي تلي البردي في الأهمية هي كسرات الفخار، والتي عندما يكتب عليها تعرف باسم "أوستراكا". وكسرة الفخار تقابل في العربية الفصحي "لخفة"، وفي الدراجة "شقفة"، وفي اللغات الأجنبية (Ostracon)، وجمعها (Ostraca).
وكسرات الفخار هي ناتج الأدوات والأواني الفخارية التي تكسر فيلقى بها في أماكن خارج المنطقة السكنية. ويمكن أن تكون الكسرات من الحجر الجيري.
 
                                                       كسرات الفخار"أوستراكا"
 
وقد وجدت الطبقة المتوسطة وكذلك الفقيرة ضالتها في كسرات الفخار لتستخدم كمادة لكتابة التقارير السريعة وموضوعات الحياة اليومية التقليدية، كالحسابات وقوائم الأسماء، والضرائب الكثيرة التي فرضت على المصريين في العصرين البطلمي والروماني. وكان على الإنسان أن يتجه إلى مكان تجميع كسرات الفخار أو الأحجار لالتقاط ما يناسبه مجانًا لاستخدامها كمادة كتابة، نظرًا لارتفاع أسعار ورق البردي.

          
       الكاتب المصري

وإذا كانت الموضوعات الرسمية والقانونية والأدبية قد سجلت على أوراق البردي، فإن الموضوعات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها قد سجلت على كسرات الفخار "الأوستراكا"، وإذا كان الخط الهيروغليفي هو خط المنشآت الضخمة كالمعابد والمقابر، فإن خطوط الهيراطيقي والديموطيقي والقبطي واليوناني وغيرها قد كتبت على البردي والأوستراكا..
 
 
تعليقات
الاسمبريد إلكترونيرسالة