U3F1ZWV6ZTE2NDAzNzE1MDYwMTE2X0ZyZWUxMDM0ODg4MTkwMzEzNw==

امتيازات الكهنة


  امتيازات الكهنة
       ويذهب "هيردوت" أيضاً إلى أن الكهنة: (يتمتعون بامتيازات ليست بالقليلة، فهم لا يستهلكون، ولا ينفقون شيئاً من ثرواتهم الخاصة، بل يُصنع لهم خبز مقدس، ويصيب كل واحد منهم يومياً كمية كبيرة من لحم البقر والأوز، وتقدم لهم خمر مصنوعة من العنب. وأكل السمك غير مباح لهم، ولا يبذر المصريون الفول فى بلادهم أبداً، ولا يذوقون ما قد ينبت منه فجاً أو مطبوخاً، أما الكهنة فلا يطيقون حتى رؤيته، ويعتقدون أنه بقل نجس".
     ولكن يبدو أن هناك مبالغة فى المحرمات على الكهنة من جانب "هيردوت" أو الرحَّالة بعد ذلك، والذين لم يشاركوا "هيردوت" فى بعض ما قال. فالفول مثلاً كان معروفاً فى مصر، والدليل على ذلك أن وُجدت حبوب الفول فى قبور بعض المصريين، مما يشير إلى أن زراعته لم تكن محرمة كما يزعم "هيردوت". وأما السمك فقد اختلفت الآراء حول تقديسه فى مصر، حيث تشير الوثائق التاريخية الخاصة بأنصبة العمال من الغذاء إلى مقدار ما كان يُصرف لهم من السمك . وقد اتخذت بعض الربات هيئة السمكة، مثل "حات محيت".
    وعلى أية حال، فقد تمتع الكهنة بامتيازات خاصة لم تتوافر لغيرهم من الموظفين. ومن ذلك يتضح أن الكهنة كانوا يتوخون البساطة فى كافة مظاهر الحياة من طعام ولباس، وكانوا يميلون إلى القناعة وخشونة العيش، والعدل والزهد. وبذلك لم تكن الحياة الكهنوتية إذاً مجرد خدمة مادية بسيطة تلائم أى حالة ذهنية، بل كانت مقدرة ذهنية مثالية تتركز فى أن يهب المرء لنفسه حرارة تجاه المعبود، وفى الرعاية الدقيقة للاحتفالات والخدمات اليومية. وكانت الحياة والسعادة والأمن فى يد الرب المعبود، والذى كان يهبها لمن يشاء من أتباعه المخلصين.
    ومن نصوص معبد "إدفو" ما يدل على ذلك: "أيها المتنبئون، والكهان المطهرون، وأمناء السر، ويا رعاة الشعائر فى المعبد، احذروا أن تأتوا عملاً معيباً، ولا تدخلوا المعبد غير مطهرين، ولا تقولوا باطلاً فى حرمته، ولا تكونوا جشعين، ولا تتفوهوا بكذب، ولا تتناولوا أقداح نبيذ".
   وهناك وثيقة أخرى بنفس المعبد تتحدث وتبرر مكاسب الحياة الروحية، والهناء الذى ينعم به من يخدم معبوده بقلب صافٍ وروح وثابة:  "طوبى لمن يحتفى بجلالتك أيها الرب العظيم، ولا يتوقف عن خدمة معبدك! ... ادخلوا بسلام، وانطلقوا سعداء، ذلك لأن السعادة فى يده، والسعادة فى قبضته".
 الاختيار والتنظيم 
    وكما رأينا سلفاً، فقد فرضت شروط معينة من الطهارة المادية كان يجب أن يتمتع بها الكهنة. وربما أيضاً أنه كان لزاماً على الكاهن أن يتعلم العلوم اللاهوتية للقيام بواجباته الدينية، ويبدو مما تقدم أن البساطة النسبية لما ينبغى للكهنة معرفته من فرائض الدين كانت تفتح السبيل أمام الجماهير الغفيرة من الراغبين فى الوظائف الدينية.
    وكانت حياة الكهنوت تقتضى عليهم شروطاً معينة، ولكن تهيئ لهم مزايا لا يستهان بها، وخاصة فى بلد كان الخوف من الغد المجهول يسيطر على جمهرة الشعب منه، علاوة على غلبة طابع التدين، وتوقير رجال الدين، الأمور الذى اتسم بها المصريون عبر مختلف العصور .
الانخراط فى سلك الكهنوت
    ولم يكن الانخراط فى سلك الكهنوت يتطلب ثقافة دينية معينة، وإنما كان على الكاهن أن يقضى فترة من التدريب على طقوس العبادة الصارمة. ومن ثم فقد كانت ممارسة العمل والمران كفيلين بالوصول بالرجل العادى إلى المستوى المطلوب. ومع ذلك فإنه يبدو مستحيلاً أن نصل إلى قاعدة عامة لكل الكهنوت المصرى فى كل العصور فيما يتصل بالشروط التى يفترض توفرها للدخول فى نطاق الكهان، وإن كان هناك بعض السبل التى اتفق عليها كما سبق الذكر، وهى حقوق الوراثة، والترشيح، وشراء الوظائف، أو التعيين بمرسوم ملكى .

تعليقات
الاسمبريد إلكترونيرسالة