U3F1ZWV6ZTE2NDAzNzE1MDYwMTE2X0ZyZWUxMDM0ODg4MTkwMzEzNw==

أوزيـر (أوزيريس) (Wsir)


 أوزيـر  (أوزيريس) (Wsir)  
    
     كان "أوزير" فى مصر القديمة هو سيد الأبدية، ورب الموتى والعالم الآخر. وكان أحد قطبى الديانة المصرية القديمة، إذ كان أحد قطبى العقيدة المصرية التى تقاسمها كل من المعبود "أوزير" (العقيدة الأوزيرية)، والمعبود "رع" (العقيدة الشمسية).
    وقد كان المعبود "أوزير" أحد أهم المعبودات المصرية على الإطلاق، سواء فيما يتعلق بالديانة الرسمية للدولة، أو الديانة الشعبية، بالرغم من أنه لم يكن ضمن الأرباب الرئيسيين فى الكون.
   وقد ارتبط "أوزير" بتاسوع "عين شمس"، وذلك كابن لرب الأرض "جب"، وربة السماء "نوت"، وكأخ للمعبود "ست"، والمعبودتين "نفتيس" و"إيزة". تزوج "أوزير" من أخته "إيـزة" (إيزيس)، وكان ملكاً يحكم الأرض، ويعلم البشر فنون الزراعة وأصولها، ومختلف الفنون الأخرى.
أوزير. مقبرة توت عنخ آمون، البر الغربي.الأقصر
   وبعد أن قتله أخوه "ست"، أصبح "أوزير" رباً للموتى، وأكثر أرباب الموتى شهرة، حيث يترأس (محكمة العالم الآخر)، والتى يمثُل أمامها كل متوفى. ولقد أصبح كل ملك حاكم يحكم بصفته الوريث الشرعى لابنه "حـور" (حورس) على الأرض.
  وطبقاً للمصادر المصرية، فإن أصل "أوزير" يرجع -كما ذكرنا- إلى الجيل الرابع من الأرباب وفقاً لللاهوت الدينى فى مدينة "إيونو" (عين شمس).
  وقد ذكرت (قائمة "تورين") المعبود "أوزير" ضمن الأرباب الذين حكموا البلاد من قبل حكم الملوك البشر فى العصور التاريخية. حيث انتقل الحكم بين "رع" و"جب" و"أوزير" وانتهى بحكم المعبود "حـور" الذى اعتُبر الملوكُ ورثةً لعرشه على الأرض بعد ذلك. وقد تباينت الآراء حول معنى اسم (Wsir)، ولعل من أقرب التفسيرات التى أُعطيت له (عرش العين، مقعد العين)، فضلاً عن (الذى اتخذ عرشه).
  ورغم عدم ورود اسم المعبود "أوزير" صراحة على آثار عصر ما قبل الأسرات، إلا أنه لا شك فى أن عبادته كانت معروفة آنذاك، خاصة وأنه قد عثر على تميمتين للعمود (ﭽـد)، الرمز المقدس لأوزير، وذلك فى إحدى مقابر الأسرة الأولى من "حلوان".
  فى حين يرجع أقدم تمثيل له ضمن أرباب تاسوع "هليوبوليس"، وذلك على مقصورة "شيدت" فى "هليوبوليس" من عصر الملك "جسر" (زوسر) من الأسرة الثالثة. وصور لأول مرة -وذلك على الأرجح- ضمن نقوش معبد الملك "ﭽد كا رع، إسيسى" فى "أبو صير".
  وقد انتشرت العقيدة الأوزيرية مع بداية الأسرة السادسة، فقد وردت الإشارة إليه فى الكثير من فقرات "نصوص الأهرام"، وصيغ القرابين. وكان الملك المتوفى يتحد معه فى العالم الآخر، ويصبح أوزيراً. ولم تلبث عقيدته أن امتدت بشكل هائل خلال عصر الانتقال الأول، حيث أصبح كل متوفى عادى يُلقب بـ(أوزير: فلان)، بمعنى (المتوفى: فلان).
   وقد اتخذ "أوزير" العديد من الألقاب، منها: "ون نفـر" بمعنى (الكائن الجميل)؛ و: "كـا إمنتت"، أى: (ثور الغرب)؛ و: "خنتـى إمنتيـو"، أى: (سيد الغربيين، إمام الغربيين، أى الموتى)؛ و: "نب أبـدو" (رب أبيدوس)؛ و"نب ﭽـدو"  (رب "أبو صير").
   وقد ارتبط "أوزير" بالعديد من الاحتفالات والأعياد الدينية، ومن بينها عيد (Prt aAt)، أى: (عيد الطلعة الكبرى، أو: الخروج الكبير)، أو عيد "أوزير" الكبير فى "أبيدوس"، وهو احتفال كان يجرى فى الشهر الأول للفيضان فى مطلع العام. وكان اليوم الكبير للعيد هو يوم (22) من نفس الشهر، حيث كان الحجاج يتوجهون إلى "أبيدوس" خلال هذا العيد.
   كما أنه كانت تجرى احتفالات أخرى فى بعض العواصم الدينية الكبرى فى الدلتا، مثل "بـه" فى "بوتـو" (تل إبطـو، و: تل الفراعين" بمركز دسوق حالياً)، و"سـايس" (صـا الحجر، بمركز "بسيون" حالياً).
   وقد انتشرت عبادة "أوزير" فى كافة أرجاء البلاد، وعبد فى كل أقاليم مصر، حيث حظى كل إقليم بعضو مقدس من أعضاء "أوزير" بعد أن قتله أخوه "ست"، وذلك وفقاً لأسطورة "أوزير". إلا أن هناك مدينتين رئيستين اشتهرتا كمركزين لعبادة "أوزير" فى الدلتا والصعيد، وهما "بوزيرس" (أبو صير بَنـا) فى الدلتا، و"أبيـدوس" فى الصعيد.
  و"بوزيرس" (وهى "ﭽـدو") أو "أبو صير بَنَـا" كانت عاصمة للإقليم التاسع لمصر السفلى، وتقع جنوب غرب "سمنود" الحالية، حيث حل محل ربها المحلى القديم "عنـﭽتى"، والذى يُعتقد أنه كان رباً ملكاً، استعار منه "أوزير" شاراته (المَذبَّة، والعصا المعقوفة)، ويسرى الاعتقاد بأنها كانت الموطن الأصلى لعبادة "أوزير"، والذى انتشرت منه عبادته فى أرجاء البلاد بعد ذلك.
   أما المدينة الثانية فهى "أبيدوس" أو كما تعرف الآن بـ (العرَّابة المدفونة، مركز البلينا، محافظة سوهاج). وقد ظهر ارتباط "أوزير" بها منذ أواخر عصر الأسرة الخامسة، وبداية السادسة؛ حيث استحوذ "أوزير" على صفات ربها المحلى القديم "خنتـى-إمنتيـو" (أى: إمام الغربيين، كناية عن الموتى فى الجبانة)، وارتبط هناك بمنطقة طالما ارتبطت فى الأذهان بعد ذلك بأحداث الأسطورة الأوزيرية، وهى منطقة "بِكر" (Pqr)، والتى تعرف الآن باسم "أم الجعاب"؛ وهى المنطقة التى عُثر فيها على مقابر ملوك الأسرتين الأولى والثانية فى "أبيدوس". وقد عُرفت مقبرة الملك "ﭽـر" منذ عصر الدولة الوسطى بالمعبود "أوزير" كمقبرة له.
   وبعد ذلك شاعت رحلات الحج إلى هذه المنطقة، وكثيراً ما كان الزائرون يتقربون بتقديم لوحات نذرية صغيرة عرفت اصطلاحاً باسم (لوحات أبيدوس)، والتى عثر على الكثير منها فى هذه المنطقة، وعلى الطريق المؤدى إلى المقبرة، والذى عُرف بطريق الاحتفالات.
وقد نهج بعض ملوك الدولتين الوسطى والحديثة نهج ملوك بداية الأسرات فى تأسيس أضرحة رمزية لهم فى "أبيدوس"، كان أشهرها الضريح الرمزى الذى شيده الملك "سيتى الأول"، والذى عُرف باسم (الأوزيريون)، وذلك بجوار معبده الجنائزى فى "أبيدوس".
   وبخلاف عبادة "أوزير" فى "عين شمس" كأحد أعضاء تاسوعها، فقد اندمج فى مدينة "منف" مع رب الجبانة "سوكر" فى صورة "أوزير-سوكر". وذلك فضلاً عن وجود عبادة له فى معظم الأقاليم المصرية كما سبق أن أشرنا وفقاً للأسطورة الأوزيرية التى أشارت إلى تقطيع جسد المعبود "أوزير" وتوزيعه على جميع أقاليم ومدن مصر، وذلك خلال العصر المتأخر، ومن هنا كان ارتباط "أوزير" بكل أقاليم مصر.
   وقد ارتبط "أوزير" كرب للموتى والبعث فى العالم الآخر ببعض الظواهر الطبيعية التى ترمز للتجدد والبعث والإحياء من جديد. فقد رمز "أوزير" إلى خصوبة النيل والتربة، وكان للونه الأسود علاقة مباشرة بالتربة وخصوبتها.
   وكان ارتباط "أوزير" بالنيل، مصدر تخصيب التربة فى أرض مصر والفيضان، وكان بمثابة القوة الدافعة لقدوم الفيضان، وما ينتج عنها من نمو النباتات، وازدهار الحياة على الأرض من جديد؛ وهو بذلك واهب الحياة لكافة المخلوقات.
   ومن هنا فإن الفيضان وقدومه قد ارتبط بإعادة الحياة والبعث وإعادة بعث "أوزير". وتشير إحدى فقرات "نصوص التوابيت" إلى إعادة بعث "أوزير" وظهوره عندما يفيض ماء النيل.
  وبذلك فإن "أوزير" قد ارتبط بالنيل والفيضان وموسم الحصاد. فقدوم الفيضان نذير بازدهار الحياة ونمو المحاصيل، وهو بذلك يرمز إلى بعث "أوزير" من جديد؛ بينما موسم الجفاف يرمز إلى موت هذا المعبود.

المعبود "أوزير"، فى هيئة مومياء راقدة منبتة. أحياناً ما يظهر المعبود "أوزير" بهذا الشكل فى بعض المقابر. تفاصيل من أحد التوابيت، متحف "كمبريدچ". نقلاً عن:
 Wilkinson, R., The Complete Gods and Goddesses,122.

    وعلى ذلك فإن عقيدة "أوزير" قد نمت من الرب المختص بالخصوبة لارتباطه بالأرض، لمعبود ذى صفات وأدوار متعددة. وقد اغتصب "أوزير" خلال ذلك العديد من الصفات والأدوار التى ارتبطت بأرباب محليين أقدم فى أماكن مختلفة، مما كان له الأثر الأكبر فى نمو وازدهار عقيدته كإحدى أهم العقائد المصرية على الإطلاق.
    فعلى هذا النحو سلب "أوزير" قصة أسطورية ارتبطت بملك أو حاكم قديم بُعث بعد موته، وذلك من الإله "عنـﭽتى" فى "ﭽـدو". وأخذ "أوزير" لقبه (سيد الغربيين) من الإله القديم فى هيئة ابن آوى "خنتى إمنتيو" فى "أبيدوس".
   وأخذ من "أنوبيس" لقب (سيد الخيمة المقدسة)، وهى المكان المرتبط بحجرة أو مقصورة التحنيط. وغيرها من الألقاب والصفات التى عكست الطبيعة الجنائزية لأوزير. ومن أهم الأدوار التى ارتبطت بأوزير كنتيجة لأسطورة إعادة البعث والإحياء، كان دوره كحاكم أو قاضٍ فى مملكة الموتى، ومحاكمة الموتى.
   وقد اتضحت أهمية ومكانة "أوزير" فى "نصوص الأهرام" للوهلة الأولى من خلال عدد المرات التى ذُكر فيها المعبود، حيث يعتبر أحد أكثر ثلاثة أرباب ورد ذكرهم فى "نصوص الأهرام" على الإطلاق، وذلك مع المعبودين "رع" و"حـور".
   وما أن ظهرت أهمية ومكانة "أوزير" الدينية، سارع كهنوت مدينة "هليوبوليس" فى حبك الأساطير التى تربط هذا المعبود بمذهبهم، وذلك مثلما فعلوا مع غيره من الأرباب الذين ظهرت أهميتهم. ولعل أشهر ما صيغ من روايات وأساطير مسرحية كان أسطورة "أوزير"، والتى وصلتنا فى روايات عديدة، كان أكملها ما وصل فى العصور المتأخرة.
هيئة "أوزير"
    عادة ما يُجسد "أوزير" فى الهيئة الآدمية فى وضع المومياء، ويكون لون جلده أحياناً أبيض بلون لفائف التحنيط، أو أسود يرمز لطمى النيل وللخصوبة، وذلك باعتباره رب الموتى والعالم الآخر.
    وفى بعض الأحيان نجده باللون الأخضر ليرمز للنباتات الخضراء والخصوبة. ويصور المعبود واقفاً أو جالساً مستقيماً، والقدمان ملتصقتان، واليدان فى الوضع الأوزيرى المتعاقد، بحيث تخرج اليدان من اللفائف لتمسكا بالشارات "المذبَّة، والعصا المعقوفة".
   ويلاحظ على وضع اليدين أنهما عادة ما تكونان فى وضع متساو فى مصر الوسطى، بينما فى المناظر التى تنتمى لمصر العليا فإنهما تكونان متقاطعتين.  وقد صور"أوزير" بالتاج الأبيض منذ عصر الدولة الوسطى، وربما يعكس ذلك الأصلَ الذى ينتمى إليه هذا المعبود. ولعل أشهر التيجان وأكثرها ارتباطًا بالمعبود "أوزير" كان تـاج "أتف"، وهو تاج مشابه للتاج الأبيض، ولكن يضاف إليه ريشتان طوليتان على الجانبين، وأحياناً نجد قرنين أفقيين وقرص الشمس فى المنتصف.
    وقد ارتبط "أوزير" بالعديد من المعبودات المصرية، فبخلاف ارتباطه بالمعبودات التى دخلت فى أسطورة "أوزير"، والتى سنتعرض لها لاحقاً، ارتبط "أوزير" بمعبودات أخرى عديدة. فيعتقد على سبيل المثال أن "با" (روح) "أوزير" قد تقمصت الكبش المقدس "با نب ﭽدت"، والذى عبد فى "منديس" بالدلتا؛ وكذلك فإن الثور "أبيس" الخاص بمنف -والذى يرتبط بالطبع بالمعبود "بتـاح"- يعتبر فى الوقت ذاته صورة لتجلى المعبود "أوزير".
   ورغم إقحام "أوزير" فى فلسفة مدينة "هليوبوليس" الدينية، إلا أن مكانة المعبود واستقلاليته كرب له شأن ومكانة كبيرة ظلت عبر العصور المختلفة. فقد أقيمت له التماثيل والمقاصير والصلوات، وأضفيت عليه الكثير من الصفات الألقاب، مثل (سيد الوجود، وسيد الأبدية، وملك الآلهة). وظلت مكانته تضاهى وتنافس رب الشمس "رع" نفسه.
    وقد ظل كل من "أوزير" و"رع" كربين يكمل أحدهما الآخر، ولعب كل منهما دوراً هاماً وبارزاً فى العقيدة المصرية، فجسد "رع" الروح التى تنتقل إلى العالم الآخر لتتحد مع "أوزير".
   وارتبط "رع" بعالم السماء ورحلة رب الشمس فى مركبه؛ بينما ارتبط "أوزير" بالعالم الآخر السفلى، ومملكة الموتى. وقد جسد الربان محور العقيدة المصرية التى انعكست من خلال الكتب الدينية العديدة التى ظهرت خلال عصر الدولة الحديثة.
   ولقد استمرت عقيدة "أوزير" أكثر من ألفى عام، منذ أن تأسست فى أواخر الأسرة الخامسة، حيث ظهر اسم ودور المعبود من خلال "نصوص الأهرام" أو "النصوص الجنائزية" فى مقابر الأفراد منذ الدولة القديمة، واستمرت هذه العقيدة فى النمو والازدهار عبر العصور التاريخية، وحتى نهاية التاريخ المصرى القديم، حيث حظى "أوزير" بالعديد من مراكز العبادة.
    وقد اكتسبت بعض الأماكن أهميتها من خلال ما ورد عن دفن أحد أعضاء "أوزير" بها؛ مثل "أتريب" (فى "بنها الحالية)، والتى دفن فيها قلب الإله، و"بيجا"، و"إدفـو"، و"هيراكونبوليس" (الكوم الأحمر) و"سبنيتيوس" (سمنود)، والتى حظى كل منها بإحدى قدمى الإله. وكانت "أبيدوس" و"بوزيريس" (أبو صير بنـا) هما أكثر الأماكن ارتباطاً بأوزير.
   وقد برز دور "أوزير" الجنائزى منذ أواخر الدولة القديمة، فبعد أن كانت صيغ القرابين والدعوات فى مقابر الأفراد تُوجَّه إلى "أنوبيس"، أصبحت توجه إلى "أوزير" منذ أواخر الأسرة الخامسة وبداية الأسرة السادسة.
  وبخلاف دوره فى "نصوص الأهرام"، وارتباطه بالملك المتوفى، فقد ارتبط "أوزير" بشدة بالموتى والعالم الآخر من خلال "نصوص التوابيت" من الدولة الوسطى، والكتب الدينية فى عصر الدولة الحديثة.
  وعلى الرغم من مكانة وشهرة "أوزير"، إلا أنه لا توجد الكثير من التمائم الخاصة به، إلا فى العصور المتأخرة، فى حين ورد ذكره فى الكثير من التعاويذ ونصوص الحماية.


 
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة