U3F1ZWV6ZTE2NDAzNzE1MDYwMTE2X0ZyZWUxMDM0ODg4MTkwMzEzNw==

"حتشبسوت "اعظم ملكات مصر

        أشهر الملكات اللاتي حكمنْ مصر، وأقواهن نفوذًا؛ فقد كان حكمها نقطة بارزة ليس في تاريخ الأسرة الثامنة عشرة فحسب، بل وفي تاريخ مصر القديم كله.  وهي ابنة الملك "تحتمس الأول" والملكة "إعح- مس"، والوريثة الشرعية لعرش البلاد، حيث لم يكن هناك وريث شرعي من الذكور، ولكن كان لها أخ غير شقيق من أبيها هو "تحتمس الثاني، كان ابن زوجة ثانوية تدعى "موت نفرت"؛ ولم يكن أمامه لكي يقبض على صولجان الحكم سوى أن يتزوج من "حتشـﭙسوت"، صاحبة المقبرة رقم (KV 20) في "وادي الملوك".

     مقبرة الملكة حتشبسوت من الداخل والتابوت الحجري. وادي الملكات.الأقصر

     وكانت "حتشـﭙسوت" في عهد "تحتمس الثاني" تحمل ألقاب "ابنة الملك"، و"أخت الملك"، و"زوجة المعبود اوالملك"، و"الملكة العظمى"، أي أنها كانت مجرد زوجه للملك شأنها في ذلك شأن أية ملكة أخرى. وأنجب "تحتمس الثاني" من "حتشـﭙسوت" ابنة هي "نفرو رع"، وقد اعتقد البعض فيما مضى خطأ نتيجة لتشابه الأسماء أن "مريت رع حتشـﭙـسوت" هي ابنة الملكة "حاتشـﭙـسوت" من زوجها الملك "تحتمس الثاني"، ولكنها لم تحمل على الإطلاق لقب "سات نسو" أي ابنة الملك على أي من آثارها، بل هي زوجة ملكية مجهولة النسب للملك "تحتمس الثالث"، ويُعتقد أن أمها هي المُرضعة الملكية "حوي" التي حملت لقب "عابدة"، ولعبت دورًا هامًا في عبادات "آمون" و "رع" و"آتوم". ويحتفظ المتحف البريطاني بأحد تماثيلها (BM statue EA 1280). كما أنجب ابنًا هو "تحتمس الثالث" من زوجة أخرى تدعى "إيزة". وقد أراد أثناء حياته أن يمنح ابنه حق تولي العرش من بعده، فدبر لذلك موضوع اختيار المعبود "آمون" (رب الكرنك) له في أحد أيام الأعياد، وقد كان "تحتمس الثالث" يعيش في المعبد كأحد كهنته. 

قناع الملكة حتشبسوت. المتحف المصري
     ومات الملك "تحتمس الثاني"، وكان "تحتمس الثالث" لم يزل طفلاً صغيرًا لا يتعدى عمره تسع سنوات، فوجدت "حتشـﭙسوت" أن الفرصة سانحة للاستيلاء على العرش، وبذلك أصبحت الحاكمة الحقيقية للبلاد. وربما اضطرتها الظروف في بداية حكمها إلى إشراكه معها في الحكم. ومنذ البداية أخذت "حتشـﭙسوت" مقاليد الأمور في يدها، وجعلت من "تحتمس الثالث" واجهة أمام الناس، وكان اسمه يظهر في الوثائق الرسمية أحيانًا، ولكن لم تمض سنوات قليلة حتى اختفى اسمه بعد العام التاسع تقريبًا، وانفردت وحدها بحكم البلاد مدة ثلاثة عشر عامًا، بالإضافة إلى السنوات التسع الأولى التي شاركها الحكم فيها الملك "تحتمس الثالث".


مقبرة الملكة حتشبسوت من الداخل ةتظهر عليها اثار التخريب. البر الغربي

      وكانت الملكة "حتشـﭙسوت" تظهر في النقوش كملكة لمصر العليا والسفلى وهي تتزين أحيانًا بزي الرجال، ولما أرادت أن تثبت أقدامها على العرش نسبت نفسها إلى الإله "آمون" مباشرة، فادَّعت أنها ليست من صُلب أبيها "تحتمس الأول"، وإنما هي ابنة للإله "آمون" الذي زار أمَّها الملكة "إعح- مس"، وتمثَّل لها بشرًا في صورة الزوج، ثم بشَّرها بأنها ستلد منه ابنةً تجلس على عرش مصر. وقد سجلت الملكة "حتشـﭙسوت" قصة هذا المولد الإلهي على جدران معبدها في "الدير البحري". وعلى جدران هذا المعبد سجلت أيضًا قصة تذكر أن أباها "تحتمس الأول" قد بايعها بالملك في حياته، وذلك في احتفال كبير أُقيم بالقصر الملكي.


مجموعة من الجرار التي عثر عليه بمقبرة حتشبسوت. البر الغربي


     وقد أدركت "حتشـﭙسوت" أنها في حاجة إلى سند قوي حتى لا يفلت الزمام من يدها، فاستعانت بطائفة من الموظفين المخلصين الذين أسندت إليهم أعلى مناصب الدولة، وكان على رأسهم المهندس "سنموت" الذي أشرف على بناء معبد "الدير البحري" (معبدها الجنائزي بمستوياته الثلاثة)؛ و"حابو سنب"، الوزير والقاضي ورئيس الكهنة ومدير أعمال القصر؛ و"جحوتي" حامل الختم الملكي؛ وغيرهم من ذوي المناصب الكبيرة.

    

مقبرة الملكة حتشبسوت. الاقصر


      ولقد كان عهد "حتشـﭙسوت" نقطة توقف في سياسة الفتح التي بدأها الملك "أحمس الأول" وسار عليها خلفاؤه من بعده؛ فلقد مرَّ عهدها دون أن تنشب معارك بين مصر وجيرانها، أو تخرج على طاعتها إحدى البلاد الآسيوية. وكان من نتيجة توقف سياسة الفتح والتوسع في عهدها أن بدأت بعض البلاد التابعة لمصر تتململ من حكمها في نهاية عهدها؛ وساعدها على ذلك انصراف الملكة عن الاهتمام بالشئون الخارجية، وتحريض دولة "ميتاني" لبعض الولايات؛ وبدا أن الموقف أصبح في حاجة إلى شاب قوي جريء مثل "تحتمس الثالث" الذي لم يكد ينفرد بالحكم، حتى سار بنفسه لتوطيد ملكه.

تمثال من الجرانيت الأحمر يصور الملكة حتشبسوت وتقدمات القرابين. المتحف المصري


      ولقد وجّهت "حتشـﭙسوت" همَّها إلى شئون البلاد الداخلية، فاهتمت باستغلال المحاجر والمناجم، وأرسلت الرحلة البحرية الشهيرة إلى بلاد "بونت" لإحضار خيراتها وذلك عام (1472-1457 ق.م) من الأسرة الثامنة عشرة (1549-1298 ق.م) بالدولة الحديثة (1549-1069 ق.م)، تحت قيادة الوزير (نحسي)، ونقشت مناظرها على جـدران معبـدها بالدير البحري في البر الغربي بالأقصر، إذ أعدت "حاتشبسوت" سفنًا كبيرة لهذه الرحلة غادرت طيبة او الأقصر في النيل، ووصلت إلى البحر الأحمر عن طريق القناة التي كانت مستخدمة في ذلك العهد، مخترقة وادي الطُميلات بالصحراء الشرقية، ثم عادت إلى مصر محملة بخـيرات "بونـت" من بخور وعطور وأخشاب وحيوانات، كما أحضرت إحدى وثلاثين شجرة لزرعها في حديقة المعبود "آمون" بالدير البحري. واهتم المصريون بتدوين تفاصيل هذه الرحلة، فنرى استقبال مندوب الملكة لزعمـاء "بونـت" والهدايـا التي قدمها إليهم، كما رسموا أيضًا القرية الساحلية التي رسوا عندها. وعنوا عناية خاصة برسم جميع أنواع الأسماك التي رأوها في البحر الأحمر.

 
تعليقات
الاسمبريد إلكترونيرسالة