U3F1ZWV6ZTE2NDAzNzE1MDYwMTE2X0ZyZWUxMDM0ODg4MTkwMzEzNw==

الزواج الملكي

  من المعروف أنه لم يكن هناك كلمة مصرية معروفة بمعنى (ملكة) بالمعنى المفهوم الآن، وإنما كانت العائلة الملكية جميعها تدور في فلك الملك، ويتم التعبيرعنهم حسب علاقتهم به. فنجد "موت نسو" (أم الملك)، أو (الملكة الأم)؛ و"حمت نسو" (زوجة الملك)؛ و"سنت نسو" (أخت الملك) ؛ و"سات نسو" (ابنة الملك).  والجدير بالذكر أن لقب "حمت نسو" لم يظهر إلا في الأسرة الرابعة، وإنما كان التعبير عن زوجة الملك باللقب "سميت نبوي".
    ولكن من غير المعروف على أي أساس كان الملك يختار زوجاته، إذ لم يكن هناك معيار واضح ومحدد لذلك. ومن المعروف أن الملك شخص مقدس ليس كالبشر؛ لذلك كان له الحق في الزواج بأكثر من زوجة، وهو الأمر الذي لم يكن شائعًا بين عامة الشعب، ولعل ذلك كان بشكل أساسي لضمان الوريث الذي سيخلفه على العرش. ومن الواضح أنه كان للملك كل الحق في اختيار زوجاته.
   وقد رأى بعض العلماء في القرنين التاسع عشر والعشرين أن الملك كان مجبرًا على الزواج بمن تُدعى (الوريثة) أو (الأميرة الوراثية) لضمان شرعية حكمه، وهي مَن كانت شقيقته أو أخته غير الشقيقة؛ إذ يعتبر البعض أنه حتى لو كان الملكُ ابنًا للملك السابق وزوجته الرئيسية، فلابد له من الزواج من أخته حتى تكتمل شرعيته، وقد ثبت خطأ هذه النظرية إلى حد كبير.
   والجدير بالذكر أنه ليس هناك لقب معروف يدل على مصطلح (الوريثة) أو (الأميرة الوراثية) سوى اللقب: "إريت-ﭘعت"، والذي اعتاد "أحمد عبد الحميد يوسف" ترجمته بـ (سليلة الحسب والنسب).




تمثالا الملك امنحتب والملكة تي، من الحجر.المتحف المصري

   وهذا اللقب ثبت أن الكثير من السيدات من غير ذوي الأصول الملكية قد حملنه، فقد كنَّ بناتٍ لحكام الأقاليم وكبار رجال الدولة، وهذا ما ينفي الاعتقاد بأن هذا اللقب خاص بمن تحمل في دمائها الشرعية وتعطيها لزوجها الملك، إذ أن حاملته مؤكدٌ أنها من أصل ملكي.
أما لقب (ابنة الملك) فهو يقع أحياناً ضمن ألقاب بعض الملكات، وإن ظن البعض أن هذا اللقب يمكن إعطاؤه كلقب شرفي لحفيدات الملك، أو لأميرات من العائلة الملكية لسن بناتٍ حقيقيات للملك من صلبه.
   وعند ملاحظة زيجات الملوك المصريين منذ بداية عصر الدولة القديمة، لا نجد ضرورة ملحة في الزواج من الأخت لإضفاء الشرعية، بل على العكس هناك اتحادات وارتباطات نسب بين ملوك الدولة القديمة وبين كبار رجال الدولة وحكام الأقاليم؛ وأبرز الأمثلة على ذلك ما سبق الحديث عنه بشأن زوجات الملك "ﭘـﭘـي الأول"، ووالدات كل من "مرن رع" و "ﭘـﭘـي الثاني". ويمكن اعتبار ذلك نوعًا من المصاهرة السياسية لضمان ولاء هؤلاء الحكام، وضمان عدم حدوث ثورات.
   إذن لم تكن هناك ضرورة مُلحَّة في زواج الأخ والأخت في عصر الدولة القديمة، والتي نعتبرها أساسًا لتقاليد الملكية المصرية القديمة. ويبدو أن هذا الاعتقاد قد ظهر لأسباب معينة، منها تفسير العلماء لظاهرة زواج المحارم في مصر القديمة، وربطهم بين أسطورة (إيـزة، وأوزيـر) وبين شرعية الملك؛ وكذلك لانتشار زواج الأخوة بين أوائل ملوك الأسرة الثامنة عشرة.
  ويمكن اعتبار زواج الأخوة ميزة أخرى للملك، وهو حقه المطلق في الزواج بأية امرأة، حتى ولو كانت شقيقته، أو أخته غير الشقيقة. وهو حق خاص بالملوك تشبُّهًا بالأرباب، وكذلك لتوافر أميرة ملكية مناسبة للزواج من حيث السن والقبول بينهما، وليس هناك ما يمنعه من الزواج بأخته، ولكن ذلك لا يعني مطلقاً بأن يتزوج بأخته ليصبح ملكًا شرعيًا، ومن لا يتزوجها يفقد شرعيته.
   أما السبب الثاني في هذا الاعتقاد فهو الربط بين أسطورة "إيـزة وأوزيـر" (إيزيس وأوزيريس) وبين شرعية الملك، إذ يعتقد البعض أن الملك لابد وأن يأتي من اتحادٍ بين شقيقين، مثلما جاء "حور" من زواج شقيقين هما "أوزيـر" و"إيـزة"، إذ يعتبر والده المتوفى هو "أوزيـر"، ووالدته الملكة الأُم هي "إيـزة" التي اعتنت به وربَّته حتى اعتلى عرش مصر، وهو "حور" الأرض. ولكن عند تحليل هذا الرأي نجد الكثير من الثغرات، فمن الواضح خلال العصر المصري القديم بأكمله أن الملكية وظيفة وراثية تنتقل عبر الأب إلى ابنه، كما هو الحال في أغلب الوظائف الدينية والدنيوية في مصر القديمة. إذن فالعامل الأساسي في شرعية الملك هو والده، وليست والدته كما يدعي البعض.
   والجدير بالذكر هنا أن "حور" قد ادَّعى شرعيته وأحقيته في عرش مصر عن طريق والده وليس والدته؛ إذ لم يحاول الإشارة إلى أن حقه في العرش جاءه عن طريقها، بل حاولت والدته نفسها إثبات حقه في عرش أبيه. والجدير بالذكر أيضًا أن "حور" في الواقع لم يكن له أخت ليتزوجها.
   ويدعي البعض بأن الملكة المصرية هي الملكة بحق المولد، وأن الملك ملكٌ بحق الزواج"، ولكن ذلك ليس صحيحًا في أغلب الأحوال. فعند النظر إلى حالات عديدة من الزيجات الملكية نجد العكس هو الصحيح؛ إذ أن للملك الحق في اختيار أية فتاة مصرية أو حتى أجنبية للزواج، وبمجرد زواجه منها تصبح ملكة شرعية، وتأخذ كافة الألقاب الخاصة بالملكة، ما عدا لقب (ابنة الملك)، و(أخت الملك). كما أنها تُصور على الآثار بنفس هيئة من تحمل هذه الألقاب، وتحظى بكل التوقير والاحترام من العامة والخاصة. ويبرز ذلك بشكل واضح في زيجات الملك "أمنحتـﭗ الثالث" و"تي"؛ والملك "أخناتون" و"نفرتيتي"؛ والملك "رعمسيس الثاني" و"نفرتاري"، وغيرهن ممن حملن لقب (زوجة الملك العظيمة)، ولم يكنَّ من أصل ملكي، ولكن عند زواجهن أصبحن ملكات شرعيات.




تمثال للملكة تي.المحف المصري
      
           
   إذن فالعكس هو الصحيح؛ إذ نجد أن الملكةَ هي ملكةٌ بحق الزواج، وأن الملكَ ملكٌ بحق المولد. وربما جاء هذا الاعتقاد لأنه في بعض الحالات تولَّى زوج الابنة الحكمَ كما في حالات "سمنخ-كا-رع"، و"توت عنخ آمون". ولكن ذلك كان يحدث في ظروف معينة، هي عدم وجود وريثٍ ذكرٍ ابناً للملك المتوفى، فتنتقل الملكية عندئذ إلى زوج الابنة كنوع من أنواع الربط بين الحاكم السابق والحالي.
   ويلاحظ أيضًا عند عدم وجود ابنة أنه لا مشكلة في اعتلاء العرش؛ إذ يختار الملك واحدًا من رجاله يجده مناسبًا لحكم مصر ليوليه ولاية العهد. ويبرز ذلك بشكل واضح في اختيار "حور محب" لأحد كبار قواده "رعمسيس الأول"، الذي أسس الأسرة التاسعة عشرة، ولم يكن له علاقة فعلية بالأسرة الثامنة عشرة من جهة النسب أو الزواج.
   وهناك ادعاءات كثيرة بخصوص الزواج لمن تدعى (الوريثة)، إذ يدعي البعض أن الملك كان يتزوج الوريثة، فإذا ما ماتت تزوج بمن تليها في الوراثة ليظل محتفظًا بالعرش دون اعتبار لسن الوريثة، سواء أكانت رضيعة أم عجوزًا.
   وعند تحليل هذا الرأي لا نجد له أي سند عملي أو واقعي، إذ لم نجد بين الملوك المصريين من تزوج بأخته ليضفي الشرعية على حكمه، ثم يتزوج بعد وفاتها بمن تليها ليضمن استمرار حكمه. ولو حدث ذلك لم يكن ليحدث سوى لحاجة الملك لزوجة جديدة، ليست بالضرورة أخته. وكذلك لا نجد مطلقًا في الدولة الحديثة من تزوج بأكثر من أخت له في وقت واحد.
   وقد ثبت أن سيدات العائلة الملكية قد تزوجن من قواد الجيش وحكام الأقاليم وكبار رجال الدولة، ولم تخبرنا الآثار عن أميرة مصرية ظلت بدون زواج لتضمن لشقيقها الجالس على العرش استمرار شرعية الحكم بزواجها منه بعد وفاة أختها الكبرى. ولو كان ذلك صحيحًا لوجدنا ما يمنع زواج كل شقيقات الملك أو كل الأميرات، أو لوجدنا الملك يتزوج بكل شقيقاته وأميرات البيت المالك جميعهن مرة واحدة ليضمن شرعيته للأبد.
   وهناك اعتقاد أن الملك "أمنحتـﭗ الثالث" والملكة "حاتشـﭙسوت" اللذين مثَّلا ولادتهما الإلهية على جدران معبدي "الأقصر" و"الدير البحري" قد صوَّرا هذه المشاهد لإضفاء الشرعية على حكميهما. إذ يدعي البعض أن الملك "أمنحتـﭗ الثالث" قام بهذا لإضفاء الشرعية على حكمه، إذ كان ابنًا لزوجة ثانوية هي "موت ام ويا"؛ والتي لم تظهر مطلقًا على آثار زوجها الملك "تحتمس الرابع"، بل ويعتبرها البعض زوجة أجنبية. والواقع أن ادعاء الملك بأنه كان ابنصًا للمعبود "آمون رع" ليس فيه أي ادعاء أو فكرة بأنه تنقصه الشرعية، إذ أن الإله (في الزواج المقدس بينه وبين الملكة) يتحوّل إلى شكل الملك الأرضي (والد الملك المُصوَّر)، ويجتمع بالملكة، ويضع فيها بذرة الملك القادم، ويعلنه ملكًا مستقبليًا.



 الولادة الإلهية لحتشبسوت التى تمثل دور الوحي فى تولى الملك الحكم، معبد الدير البحري.الأقصر

   ويلاحظ هنا أن الإله قد تحول إلى شكل الملك الأرضي، وهو في الحقيقة الإله، مما يثبت نظرية تولي الملكية عن طريق الأب، أما الملكة الأم فهي بشكلها ووضعها الأرضي كما هي، ولم تتحول لأية ربة أو معبودة لتُضفي أي شرعية على ابنها. إذن فالملك يتولى العرش عن طريق والده، أو قل عن طريق المعبود الذي تجسَّد في هيئة الوالد، بصرف النظر عن والدته ومكانتها، سواء أكانت ابنة ملكية أم كانت من غير أصل ملكي.




الولادة الإلهية للملكة حتشبسوت التى تمثل دور الوحي فى تولى الملك الحكم، معبد الدير البحري.الأقصر

   ويلاحظ هنا أن الملك "أمنحتـﭗ الثالث" لم يحاول ادعاء أي شيء جديد بخصوص والدته، بل أظهر لها كافة التوقير والاحترام، بصرف النظر عن كونها ليست أميرة ملكية.
كذلك فإن الملك "تحتمس الثالث" قد تولى عرش مصر بادعائه ما يسمى (نبوءة آمون)، والتي ادعى فيها أن الإله "آمون" قد اختاره ليصبح ملكًا وهو ما يزال طفلاً؛ ولو كان مجرد زواجه ممن تسمى (الوريث يكفي لإثبات شرعيته، فقد كان يكفيه الزواج من أخته غير الشقيقة، الأميرة "نفرو رع" ليعتلي العرش بسلام، ولكن ذلك لم يحدث. وهناك شك كبير في زواج "نفرو-رع" من الملك "تحتمس الثالث"، إذ لم تأخذ أبدًا لقب (زوجة الملك).



الولادة الإلهية لحتشبسوت و دورالوحي فى تولى الملك الحكم،معبد الدير البحري.الأقصر


    والعامل الأخير في اعتقاد العلماء بضرورة زواج الملك من أخته هو تكرار مثل هذا الفعل في أوائل الأسرة الثامنة عشرة في زواج "سقنن - رع" من أخته "إعح - حتـﭗ"؛ وزواج "أحمس" من أخته "أحمس نفرتاري"؛ وزواج "أمنحتـﭗ الأول" من أخته "مريت آمون الأولى".
    ولكن لابد هنا من ملاحظة أن هذه الأسرة (وبالتحديد ملوكها الأوائل) كانت لهم ظروفهم الخاصة، والتي لا يمكن تعميمها في كل الحالات؛ إذ أن الملوك الأوائل للأسرة الثامنة عشرة قد تزوجوا من أخواتهم نتيجة لعوامل متعددة، أهمها الزهو بالانتصار على "الهكسوس"، مما أكسب الأسرة فخرًا وتمسكًا شديدًا بأفرادها.






تمثال من الحجر الجيري للملكة تتي شيري.المتحف المصري
   كذلك لوجود ملكات بارزات مثل: "تتي شري" التي تعتبر جدة الدولة الحديثة؛ و"إعح-حتـﭗ" التي تعتبر والدة الدولة الحديثة؛ واللَّتين كان لهما أدوارهما ومكانتهما البارزة طوال وقت الكفاح من أجل الاستقلال، واللَّتين كان لهما بالتأكيد آراؤهما بخصوص زواج "أحمس" من أخته "أحمس نفرتاري" التي كان لها دور أيضًا أثناء حروب التحرير. ويمكن اعتبار ذلك نوعًا من الترابط والتلاحم بين أعضاء أسرة تأسست في الأصل من أجل المقاومة والحرب ضد الاحتلال.
   وتشير (Robins) إلى أنه إذا كانت نظرية (الوريثة) صحيحة، إذن لوجدنا خطًا متواصلاً للملكات ينحدر من الأم إلى الابنة، مثلما نجد هذا الخط عند الملوك؛ وكذلك لوجدنا كل الملوك وقد تزوجوا من أخواتهم بلا استثناء، وذلك لم يحدث أبدًا. إذن فنظرية (الوريثة) لا تدعمها الأدلة والوثائق، ولا يوجد أي أثر لها في تقاليد الملكية المصرية.
   وقبل أن نترك هذه المسألة لابد من أن نتذكر في النهاية أن الملك بشرٌ، فله ميول عاطفية كسائر الخلق، ومن الممكن أن يعيش قصة حب مع أية فتاة من عامة الشعب من أية طبقة، وله الحق أيضًا في اتخاذها زوجة له، ورفعها إلى منزلة الملكة.
    كذلك فإنه لم يكن بالضرورة في كل الحالات وجود أميرة ملكية ليتزوجها الملك، فمن المحتمل أن عدم وجود أخت له على الإطلاق، فعندئذ له أن يتزوج بمن يشاء، ويرفعها إلى منزلة الملكة، فتصبحَ ملكةً شرعية لمصر. إذن ليس هناك دلائل منطقية لقبول نظرية (الوريثة).
    وقد سبق القول بأن الملك لم يكن كسائر الناس فيما يتعلق بعدد الزوجات، فقد كان يحق له الزواج بمن يشاء، وبأي عدد من النساء. ويدعي البعض أنه كان للملك زوجات شرعيات، وأخريات غير شرعيات، وهنا لابد من الوقوف أمام كلمة (شرعية)؛ إذ أن هناك من يدعي أن هناك زوجة واحدة شرعية، وما عداها غير شرعية، وبالتالي فإن أبناء الزوجة الثانية كانوا غير شرعيين.
   وهذا اعتقاد غير صحيح في مصر القديمة؛ فمن خلال الآثار كانت كل زوجات الملوك متساويات من حيث شرعية زواجهن به، أو حتى مجرد اتصالهن به. فلا يوجد في الحياة الملكية المصرية القديمة لقب (زوجة شرعية)، ولقب (زوجة غير شرعية).
  وصحيح أنه كان يوجد لكل ملك زوجة بارزة، يمكن اعتبارها الزوجة الأولى أو الكبرى، وأنه كان لها حقًا دورها البارز والملحوظ مقارنةً ببقية زوجات الملك؛ ولكن ذلك لا يعني على الإطلاق أن هذه الملكة هي الزوجة الشرعية الوحيدة للملك، وأن ما عداها كنَّ غير شرعيات؛ إذ أن الآثار لا تعطي دليلاً على الفرق بين زوجتين سوى اللقب "حمت نسو"، أو: "حمت نسو ورت" مرة أخرى. ولقد ذكرنا من قبل أن عدم وجود كلمة "ورت" لا يعني إطلاقاً دلالة على عدم شرعية الملكة.
   وهناك بالفعل ملكات لم يظهرن بشكل بارز في عهود أزواجهن، وعُرفنَ فقط من خلال عهود أبنائهن؛ وهناك منهن من لم تأخذ لقب (زوجة الملك) إلا في عهد ابنها، ومنهن من لم تأخذ لقب (زوجة الملك)أبدًا حتى عند اعتلاء ابنها العرش، ولم تأخذ فقط سوى لقب (أم ملكية).
   وهكذا يمكن اعتبارها محظية للملك، ولكن ذلك لا يجعلها في وضع غير شرعي على الإطلاق، ولا يجعل ابنها ابنًا غير شرعي للملك؛ إذ يعتلي العرش في حالة إذا كان الابن البكر الذكر للملك، أو في حالة عدم وجود وريث ذكر للملك سواه. ونجد من بين بعض الملوك من لم يحاول إعطاء أمه لقب (زوجة الملك)، واكتفى بلقب (أم الملك)، مما يثبت أن مكانته لم تتأثر لكونها لم تكن سوى محظيَّة، وأن وضعه شرعيًا أمام شعبه معترف به تمامًا كابنٍ للملك المتوفى من صلبه، وملكٍ حالي على عرش مصر.
   كذلك يفسر البعض كلمة (أخت) التي نجدها بكثرة في النصوص المصرية بمعاني متعددة، فنجد تفسيرا لها بمعنى (محبوبة)، أو: (عزيزة)، أو ربما : (عشيقة)، ولا يوجد ما يمنع من أن تكون هذه المعاني هي المقصودة هنا في لقب (أخت الملك). وكذلك يحتمل أن زواج الأخ والأخت إن وُجِدَ في مصر القديمة يمكن اعتباره زواجًا سياسيًا لمجرد توفير زوج مناسب لأميرة ملكية، ليس بالضرورة أن يحدث زواجًا حقيقيًا بها، وإنما يحتمل أن يكون زواجًا شرفيًا، وللملك الحق في اختيار من يشاء لتصبح زوجة له.

 قضية زواج الملك بابنته
   ورد إلينا من عصر الدولة الحديثة ما يسمى (زواج الأب والابنة)، والذي لم يُعرف بشكل واضح سوى في عهود ثلاثة ملوك، هم: "أمنحتـﭗ الثالث"؛ و"أمنحتـﭗ الرابع"؛ و"رعمسيس الثاني".
   ولقد أخذت "سات آمون" - ابنة الملك "أمنحتـﭗ الثالث" لقب "حمت نسو ورت"؛ وكذلك اتخذته بنات الملك "أمنحتـﭗ الرابع" (أخناتون): "مريت آتون"، و"عنخ.س ان ﭘا آتون". وفي عهد الملك "رعمسيس الثاني" اتخذته "بنت عنات"؛ و"مريت آمون"؛ و"بنت تاوي". ولكن ذلك لا يعني بالضرورة زواجاً حقيقيًا بين الأب وابنته، خاصة وأن العديد منهن قد أخذن هذا اللقب في حياة والداتهن، ومن غير المنطقي أن يتزوج الملك بابنته ويرقيها إلى مرتبة الزوجة الأولى بينما لا تزال والدتها على قيد الحياة تؤدي دورها في حكم مصر كزوجة للملك.
   ومن المعروف أن ملكة مصر -التي حملت لقب (حمت نسو ورت) في الدولة الحديثة- كان لها العديد من الأدوار، سواء أكانت دينية، أم سياسية، أم اجتماعية. وأغلب الأميرات اللواتي اتخذن هذا اللقب قد اتخذنه في وقت متأخر في عهود آبائهن، وفي ظروف خاصة؛ لذا فهناك احتمال أن دور (الزوجة الملكية الكبرى) قد تم توزيع أعبائه بين الأم والابنة.
   فأغلب الظن أن الملكات الأمهات كنَّ إذا تقدمن في السن، ولم يعد باستطاعتهن القيام بجميع أدوارهن العامة، فإن الابنة تُعد -حينئذ- نائبة عن أمها في القيام بدورها في الشئون العامة التي لا تستطيع القيام بها سوى من تحمل لقب "حمت نسو ورت"؛ لذلك كان إعطاء اللقب للابنة ضرورياً للإنابة عن والدتها.
   وهناك احتمال في أن الملكات الأمهات قد سمحن بإعطاء هذا اللقب لبناتهن كنوع من التجهيز للمستقبل، والتوقع بأنهن سيصبحن ملكات في القريب. ويحتمل أيضًا أن الملك كان يعد ذلك الأمر تشبُّهًا بالإله، وهو مجرد لقب شرفي يمنح للأميرة. والواقع أنه ليس هناك من دليل مؤكد على فكرة زواج الأب من ابنته زواجًا حقيقيًا في مصر القديمة؛ إذ يعتبره الكثيرون مجرد لقب شرفي لإضفاء نوعٍ من التكريم أو القداسة على البنات الملكيات.
   ويلاحظ في العهود الثلاثة المذكورة غياب لقب "حمت نثر" (زوجة الإله، زوجة المعبود، أي: زوجة الملك). ويرجح البعض أن اللقب "حمت نسو" قد أُعطي للأميرات بدلاً من إعطائهن لقب "حمت نثر"، ويعتبر في هذه الحالة مرادفًا للقب "حمت نثر". ولكن لا يوجد دليل مؤكد أيضًا على هذا الافتراض. ويعتبر الملك أن هذا اللقب كان لقبًا شرفيًا يدل على رتبة كهنوتية في أداء مراسيم طقسية؛ لكن في الواقع ليس هناك ما يمنع بالفعل من أن يكون الزواج حقيقيًا، إذ سبق القول بأن الملك هو إلـه، وله جميع الحقوق في اتخاذ أية فتاة لتصبح زوجة له، حتى ولو كانت ابنته، وهناك بالفعل في عالم الأرباب تجربة مشابهة في زواج "رع" من ابنته "حاتحور".
   ولكن على الجانب الآخر ليس هناك ما يؤكد بشكل حاسم أن هذا الزواج لم يكن رمزيًا، إذ أن الأميرات اللواتي أخذن هذا اللقب ربما كنَّ يمثلن دور معبودة في بعض الشعائر الملكية. وكذلك يحتمل أن الملكة الأم كان لها دور في إكساب ابنتها هذا اللقب؛ إذ يلاحظ أن الملكات الأمهات "تي" و"نفرتيتي" و"نفرتاري" و" إست نفرت" اللواتي أخذت بناتهن هذا اللقب قد كنَّ ملكاتٍ بارزاتٍ في تاريخ مصر.
   والجدير بالذكر أن الملكة "سات آمون" (ابنة أمنحتـﭗ الثالث، والملكة "تي") قد ظهرت مع والدتها في مشهد وهي تأخذ لقب "حمت نسو"، بينما لُقبت والدتها بلقب "حمت نسو ورت"، في حين أن "سات آمون" عندما تظهر منفردة تأخذ لقب "حمت نسو ورت"، مما يشير إلى فكرة أنها تنوب عن والدتها.
   ويشير البعض إلى أن الأميرتين الصغيرتين "مريت آتون" و"عنخ.س ان ﭘا آتون" هن بنات لجدهن "إخناتون"، ولكن لا يوجد دليل مؤكد على ذلك؛ إذ من المعروف أن كلاً من "مريت آتون"  و"عنخ.س ان ﭘا آتون" كانتا زوجتين ملكيتين لـ "سمنخ-كا-رع" و"توت-عنخ-آمون" على التوالي؛ إذن فليس هناك مانع من أن تكون الأميرتان الصغيرتان بنتَين لـ "سمنخ-كا-رع"، و"توت-عنخ-آمون".
   ويلاحظ أن كلتا الأميرتين "مريت آتون" و"عنخ.س ان ﭘا آتون" قد حملتا لقب "سات حمت نسو"، أي: (ابنة الملكة)، ويحتمل أن لقب "حمت نسو ورت" الذي اتخذته هاتان الأميرتان كان مرتبطًا بهذا اللقب. وأغلب الظن أن هذا اللقب أُريدَ به بيان منزلة وقدر الأميرات، والإنابة عن والداتهن في المناسبات الرسمية، وفي الأدوار الكهنوتية والطقسية، وليس هناك أي دليل يدعم وجود زواج فعلي بين الأب و الابنة في مصر القديمة.
   ومن غير المعروف كذلك كيف كان يتم الزواج الملكي، وما هي مراسيمه، وكيف كان يتم الاحتفال به، وهل كان الاحتفال خاصًا بالملك وأسرته، أم عامًا يشارك فيه كل الشعب، وهل كانت هناك هدايا وعطايا يقدمها الملك للشعب أو لكبار رجال الدولة احتفالاً بالزواج الملكي، وكيف كان يتم الإعلان عن الزواج الملكي في كل أنحاء مصر. إن هذه التساؤلات لا نملك إجابات وافية بشأنها، إذ لم توضح لنا الآثار كيف كان يتم هذا الحدث.
   وبالرغم من ذلك نستطيع أن نخمِّن من دلائل بسيطة جدًا أنه كان ييتم إقامة احتفال بالزواج الملكي، إذ نجد عند ذكر الزوجات الأجنبيات (لتحتمس الثالث، والرابع، وأمنحتـﭗ الثالث، ورعمسيس الثاني) أنه كانت تقام في جميع أنحاء مصر احتفالات بوصول العروس. فقد ورد أن عروس أمنحتـﭗ الثالث (الميتانية) عند وصولها إلى مصر كانت محملة بكمية ضخمة من الهدايا، وبصحبة 317 سيدة وخادمًا. كذلك في عهد "رعمسيس الثاني" عند وصول الملكة الحيثيَّة إلى مصر، والاحتفال بهذا الحدث السعيد، والاحتفال الشعبي في شوارع العاصمة، وظهور الملكة بجوار الملك في القصر بشكل رائع، ثم تغيير اسمها واتخاذها الاسم المصري "ماعـت-حـور نفـرو رع".
   هذه الإشارات البسيطة لزواج الملوك المصريين من سيدات غير مصريات بها بعض الدلالات على أن زواج الملك من الملكة المصرية كان يتم بالتأكيد بمراسم معينة، واحتفالات خاصة ضخمة. كذلك لا نعرف ملكًا أعلن زواجه من ملكة سوى "أمنحتـﭗ الثالث" عند زواجه من الملكة "تـي"، حيث أمر بعمل الجعارين التذكارية التي تؤرخ لزواجهما؛ أو تذكر علاقتهما عند ذكر أحداث معينة حدثت في عصره. ولا تعطينا الآثار أية إشارة عن أي ملك قام بذلك قبل "أمنحتـﭗ الثالث" أو بعده، إذ نرى الملكة باسمها وألقابها بجانب الملك، فنعرف من ذلك علاقتهما كزوجين. ولا نعرف بالتحديد هل كان ذلك راجعًا إلى شخصية الملك القوية التي أرادت أن تعلن للعالم أنها زوجة أقوى ملوك العالم في ذلك العصر، أم أن "أمنحتـﭗ الثالث" نفسه هو من أراد أن يعبر لها عن حبه وتقديره، فأصدر مجموعة من الجعارين التذكارية لإعلان زواجه منها، والافتخار بذلك.
    وربما نحا بعض الملوك منحَى "أمنحوتب الثالث" في إصدار مثل هذه الجعارين التذكارية في مثل هذه المناسبة، ولكن ربما لا زالت الأرض تضن علينا بظهورها، أو أنها فُقدت للأبد، خاصة وأن الجعارين من الآثار الدقيقة التي يصعب الاحتفاظ بها عبر الزمن البعيد، ومن يدري ربما تكشف الأرض عن نماذج مشابهة في المستقبل. إن هذه التساؤلات ليس لها ما يجيب عنها حتى الآن للأسف، ولكن يحتمل أن نجد من الآثار في المستقبل ما يجيب عنها ولو بشكل جزئي.


تعليقات
الاسمبريد إلكترونيرسالة