U3F1ZWV6ZTE2NDAzNzE1MDYwMTE2X0ZyZWUxMDM0ODg4MTkwMzEzNw==

الزوجة

الزوجة
    كانت العلاقة الزوجية تصوّر في جميع العصور بصورة تدل على الإخلاص والوفاء؛ فهناك الكثير من الأدلة التي تشير إلى الترابط العائلي بين الزوجين من ناحية، وبين أولادهما من ناحية أخرى. فقد حرص الفنان المصري فيما أخرجه من مجموعات التماثيل على أن يجعل ممن يمثلهم من أفراد العائلة وحدةً واحدة مؤتلفة تجتمع حول رئيسها، وتعتمد عليه، فإذا وقف الزوج وقفت الزوجة بجانبه، وإذا جلسا فإنهما يجلسان معًا على مقعد واحد، فتجلس الزوجة بجواره معبّرةً عما يصلهما من روابط بحركات إحدى يديها أو بهما معًا، فتطوِّقه في رفقٍ وحب بالذراع الأيمن، وتلمسه باليد اليسرى أو العكس؛ كما نراها في بعض الأحيان تضع يدها على أحد كتفيه أو ركبتيه، أو قد تتشابك أيديهما معًا رمزًا لحبها له، وتعلقها به.

سن نجم وزوجتة اثناء مراسم التطهير.مقبرة سن نجم

       وقد اعتادت الزوجة أن تساعد زوجها في تدبير شئون البيت، وتُعَد المرأة المصرية دعامةً رئيسية لجميع الشئون المنزلية، إذ تستيقظ في الصباح الباكر لإعداد الإفطار لزوجها وأبنائها، وينصرف الزوج وأكبر الأبناء إلى العمل، ويذهب الأبناء الصغار مع الماشية والإوز، أو تذهب الأم بهم إلى المدرسة للتعلم. وكان الرجل كثير التنقل بين عدد من الأماكن لممارسة الرعي أو الزراعة، أو أية حرفة أخرى تحقق له الرزق، بينما كان على الزوجة تنظيم بيتها، وتهيئة السعادة والرفاهية لزوجها، والعناية بتربية أبنائها. وكانت تخرج إلى الترعة المجاورة لتملأ الجرة وتغسل الملابس، وتعود إلى منزلها مُزوّدة بما يكفي من الماء لبقية اليوم، ثم تقوم بإعداد الخبز بعد طحن الحبوب وعجن الدقيق.
    كما كانت المرأة المصرية القديمة تزاول مهنة الغزل والنسج، فامتلأت الورش بالنساء اللائي يجُِدنَ غزل الكتان ونسجه، فأخرجت المغازل والأنوال اليدوية نسيجًا رقيقًا يضارع أجود أنواع الحرير في الوقت الحاضر، أطلق عليه المؤرخون الإغريق اسم "نسيج الهواء"، ولا تزال بعض هذه المنسوجات موجودة تشهد بدقة صنعها وجودتها؛ وهذا ما اشتهر فيما بعد ذلك في العصر القبطي إبان حكم الرومان والبيزنطيين لمصر تحت اسم "القباطي".

تمثال مجموعة، من الحجر الجيري الملوّن لأسرة المدعو ’حـو‘ يُمثّله جالساً مع زوجته، بصحبة طفليهما على جانبي المقعد ،الأسرة الخامسة. الجيزة.
 

   وقامت المرأة بصنع نوع جميل من السجاد (الحصير) الذي كان يُعلّق على جدران القصور أو يُفرش فوق أرضها، مما يدل على براعتها في هذا النوع من الفن. وكانت المرأة كذلك تحيك الملابس لأفراد أسرتها، وتذهب إلى الأسواق لتبيع الطيور وبعض المنتجات، وتشترى بدلاً منها شتى أنواع الخضر والفاكهة والأسماك وغير ذلك. وإذا عاد الزوج في المساء تجتمع الأسرة لتناول العشاء، ثم يقضون بعض الوقت من الليل في سمر أو ألعاب بسيطة للتسلية، أو يستغرقون في تجاذب أطراف الحديث حول أمور الحياة.
   وتمدنا مناظر المقابر وقصص الأدب المصري القديم بالعديد من المعلومات التي نتبين منها أن الزوجة كانت ترافق زوجها وأبناءها في رحلات الصيد، وينظر الجميع إلى الأب بإعجاب وهو يصطاد الطيور البرية، بينما يجوبون المستنقعات بالقوارب الخفيفة، ويقضون رحلة ممتعة يعودون بعدها إلى منزلهم وهم يحملون زادهم من الصيد في مرح وسرور. وهكذا ساد الأسرة المصرية القديمة - بسبب حكمة المرأة وتفانيها في واجباتها جو من الصفو الشامل والهناء الصادق.


جدارية تصور اسرة العمارنة. تل العمارنة


   ونرى أحيانًا الزوجة تُصوَّر على مقبرة زوجها (في الأسرتين الثالثة والرابعة) بحجم زوجها أحيانًا، مما يدل على التماثل في الشرف والمكانة، ومساواتها للزوج في الحقوق والواجبات على نحوٍ لم يُعرف إلا في أوائل القرن العشرين؛ وهذا لم يمنع الرجل من أن يكون قوّاماً على المرأة في حدود ما يحفظ حقها ويصون كرامتها.
  ومنذ الأسرة السادسة وحتى نهاية الأسرة الثانية عشرة نرى الزوجة ممثلةً بحجم صغير جداً دون حجم الزوج، وكثيرًا ما كانت تُمثَّل راكعة عند أقدام زوجها كما هو مُمثَّل على النصف الجنوبي من واجهة مقبرة  "سارنـﭙوت الأول" ابن "سا-تني" (المقبرة رقم 36 بجبانة "قبة الهواء" غرب أسوان) من عهد الملك "سنوسرت الأول" ثاني ملوك الأسرة الثانية عشرة. وقد حاول البعض تفسير صغر حجم الزوجة وركوعها في بعض المناظر بأنها تقدم لزوجها فروض الطاعة، أو لأن مركزها أدنى من مركز ابنها البكر، إلا أن تلك المناظر تعبر عن حب زوجي، وتعكس خوفًا من أن يُضلل الحجمُ الكبير لصورة الزوجة روحَ المتوفى في التعرف على صورة صاحب المقبرة والحلول فيها إذا تطلّب الأمر في حالة فناء المومياء.

تمثال من الحجر الجيري لزوجين جالسين من الأسرة الخامسة. المتحف المصري. حفائر جامعة القاهرة بالجيزة.

   والملاحظ أن الزوجة تُمثَّل صغيرة بالنسبة لزوجها في كل أوضاعها، ولكن أحيانًا تراها في حجم الزوج. وإذا فحصنا الصور التي تكون فيها الزوجة مماثلة للزوج في حجمه، رأينا أن ذلك لا يكون إلا في المناظر الخاصة. أما في معظم المواقف الرسمية، فإن صورة الزوجة تبدو صغيرة إلى جانب صورة زوجها. ولم نلاحظ إلا أمثلة قليلة رُسِمت فيها بحجم زوجها، ويفسر "وليم نظير" ذلك قائلاً أنه يبدو أن النساء اللائي كُنَّ يُرسمن بحجم أزواجهن كُلهنَّ يحملنَ لقب (شـﭙست نيسوت)، أي: ( نبيلة ملكية).
   وبالغ البعض في تفسيره هذا على خلاف مع كل ما ورد في نصوص الحكم والتعاليم على أن المرأة كانت في مركز أدنى من مركز ابنها البكر كما سبق القول، مُعلِّلين ذلك ومدلِّلين على صحته بأن نقوش المقابر تبين هذا الابن البكر ممسكًا بعصا السلطة، وأمه إلى جانبه في حجم صغير. وهم في ذلك يتَّبعون ما ذهب إليه نفر من الآثار يبين من أن المرأة قد ضَعُفَ شأنها في ذلك العصر، وأنها قد خضعت تمامًا لسلطة رب الأسرة وهو الأب، ومن بعده الابن الأكبر، وأنها كانت فيما بعد تخضع كذلك للوصيِّ بعد وفاة الزوج. وقد أشرنا سلفًا إلى خطأ هذا الاعتقاد، وتفسيره في إطار المعتقد الديني المصري القديم، ونظره للأحجام فيما يخص ضمان الحياة الآخرة والخلود.


سن نفر و وزوجتة تقدم لة الزهور. الأسرة 18،مقبرة سن نفر.الأقصر

   وقد ظهرت المرأة في نقوش المقابر بلون فاتح ضارب إلى الصفرة، بينما صُوِّر الرجل بلون ضارب إلى السُّمرة. وإذا ما رافقت الزوجة زوجها في نُزهاته، فإنها تُرسم في هذه المناسبات بحجم أصغر من حجمه، ويفسر "وليم نظير" ذلك بأنها قد اكتسبت كثيرًا من حقوقها، لكنها لم تستردها كاملةً إلا في عصر الدولة الحديثة.
   ونلاحظ في تمثـال "ﭘـاي نـﭽـم" (من الأسرة الحادية والعشرين) بالكرنك أن الزوجة مُثلت وهي تتقدم زوجها، مما يدل على أن المرأة قد بلغت مكانة رفيعة في ذلك العصر. وهذا يشبه إلى حد كبير ما هو متَّبع في الوقت الحاضر عندما تتقدم السيدات على الرجال في الحفلات أو في أي مكان آخر، وتسير أمامه، ونعبر عن ذلك بالعبارة الشائعة: (Ladies first)، بمعنى: (السيدات أولاً).
  ولقد وصلت المرأة المصرية القديمة إلى مركز مرموق في الدولة، فهناك نصب تذكاري خاص بالسيدة "بيسيشت" (من عصر الدولة القديمة) يبيّن أنها كانت (رئيسة للأطباء)، وهي الوحيدة المعروفة من مصر القديمة التي تحمل هذا اللقب الذي يُلقي الضوء على تطور مكانة المرأة في ذلك العصر.

تعليقات
الاسمبريد إلكترونيرسالة