U3F1ZWV6ZTE2NDAzNzE1MDYwMTE2X0ZyZWUxMDM0ODg4MTkwMzEzNw==

وراثة الكهنوتية


  وراثة الكهنوتية
       حتمت الظروف الطبيعية أن يكون شرف إدارة المعبد -منذ أقدم العصور- من حق الأسرات الكبيرة القديمة. وكان المنصب الدينى فى الدولة الوسطى كذلك وراثياً فى عائلات معينة. وما دام الكاهن قد ورث وظيفته عن أبيه الذى كان كاهناً فى المعبد، فإنه يستطيع عمل التقدمات، وأداء كل الاحتفالات.
    وقد ذكر "هيردوت" فى الفصل (137) أنه: "عندما يموت أحدهم، يتم تنصيب ابنه محله". وقد كانت من أعز الأمنيات عند المصريين القدماء أن يروا الابن وهو يمتهن مهنة أبيه؛ ولهذا تذكر النصوص عدة أمثلة لأسرات حقيقية من الكهنة.
     وإن بدا أن حقوق الوراثة لم تكن قاعدة عامة، ولكن بمثابة تقليد متبع. وقد عثر على وصايا من الدولة القديمة يطلب فيها الكاهن أن تؤول وظيفته إلى وريث يحدده بنفسه. وكان الرجل يزعم أحقيته فى وظيفة كهانة معبد بقوله أنه كان ابناً لكاهن هذا المعبود.
    وهناك فى العصر المتأخر تعرض لنا سلسلة أنساب أصحابها، ويذكر بعضهم أن أسلافه -حتى الجيل السابع عشر- كانوا من كهنة معبود بعينه، وذلك مثلما حدث فى بداية الأسرة الثانية والعشرين، حيث أن عائلة "شاشنق" -والتى يُعتقد أنها أسرة ليبية- كان أفرادها يندمجون بين كهنة رب "إهناسيا"، وهو المعبود "حرى شا.ف".
    ولكن هناك أمراً لا يمكن إغفاله فى هذا الصدد، وهو أن فضل الملك فى هذا الأمر كان لابد وأن يكون واضحاً؛ وذلك لأنه بهذا الفضل يستطيع الابن أن يحل محل أبيه. وهكذا عندما أراد الملك "بسماتيك الأول" (الأسرة السادسة والعشرين) أن يكافئ "بيتزيس" بسبب خدمته الجليلة، فقد منحه لقب (كاهن فى كل المعابد)، والذى كان يحمله والده حين كان يشغل هذه الوظيفة، مع أن "بيتزيس" لم يكن حتى ذلك الوقت قد مارس الكهانة.
 الترشيح والتزكية 
      حينما كانت الوراثة تتعثر أو تُلغى، وحين يكون هناك مكان شاغر، كان كهان المعبد يعقدون اجتماعاً يتفقون فيه على اختيار من أسعده الحظ بالانضمام إلى زمرة طوائفهم المقدسة. أى أن المرء فى هذه الحالة كان يصبح كاهناً بالترشيح ثم التزكية والمبايعة من جانب الكهنة الآخرين، ودون أن يكون من أسرة الكهنة بالضرورة . وربما كان الكهنة يلجأون فى ذلك إلى وحى المعبود.
 التعين بمرسوم ملكى
      من المعروف أن الملك كان هو الذى يعين سائر الكهان، وأن اختيار الكهنة كان من حق أو سلطة الملك وحده . غير أن واقع الأمر أن ذلك كان مقصوراً على تعيين كبار رجال الدين وكبار الكهنة فى المعابد الكبرى. وهذا فضلاً عن ترقية من يُعجب الملك بنشاطه وكفاءته من الكهان، وذلك كما حدث بالنسبة للكاهن "نب وى" من أيام "تحتمس الثالث"، والذى رُقى إلى رتبة (رئيس كهنة "أوزير")، ثم أصبح بعد ذلك -بسبب حظوته عند الفرعون- المتحدثَ الشخصى باسم الملك فى معبد "أحمس الأول" فى "أبيدوس". أما تعيين صغار الكهنة فى المناصب الأقل شأناً فكان متروكاً للوزير فى الأغلب.
    ونلاحظ أن الملك "توت عنخ آمون" -عندما أراد أن يعيد تنظيم كهانة "آمون" بعد اضطهادهم فى فترة "العمارنة"- قد اختار أعضاءها الجدد من بين طبقة النبلاء التى لم تزل -فيما يرى- النخبة الممتازة فى البلاد. وهكذا جمع كهنة من أبناء أعيان مدينتهم، وكل منهم ابن رجل بارز معروف الاسم .
    وهذا فضلاً عن حق الملك فى أن ينقل أى كاهن من معبد إلى آخر، مثلما حدث على أيام الملك "رعمسيس الثانى" عندما عين كبير كهنة "آمون" فى "طيبة" من بين رجال معبد "أبيدوس". وقد جاء فى قرار التعيين:
هـا أنت من الآن كبير كهان "آمـون"، وسائر كنوزه وخزائن غلاله تحت يمينك، أنت رئيس معبده، وكل خدمه تحت سلطانك. فأما معبد "حتحـور" فى "دنـدرة" فسيئول إلى سلطان ابنـك، فضلاً عن وظائف آبائـك، والمراكـز الذى كنت تشغلها أنت .
    ومن ذلك نلاحظ بصفة عامة أن النفوذ الملكى لم يتدخل فى تعيين رجال الدين إلا فى حالتين محدودتين:
1- عندما يود الملك أن يكافئ أحد الكهنة أو أحد موظفيه، مثل حالة "نب وى" فى عهد "تحتمس الثالث"، أو "بيتزيس" فى عهد "بسماتيك الثانى".
2- وعندما كان الملك يود -مدفوعاً بأغراض سياسية داخلية- أن يغير ميزان القوى، وهذا ما حدث فى الدولة الحديثة خاصة نتيجة لتزايد نفوذ كهنة "آمون" فى ذلك الوقت؛ ولهذا كان يختار رئيس كهنة "طيبة" من خارج إطار كهنة "آمون" الأقوياء، ومثال ذلك ما حدث فى عهد "رعمسيس الثانى" . 
    وفيما عدا ذلك هناك قواعد يجب اتباعها، ولا يمكن تجاوزها. وكان الانخراط فى سلك الكهنوت -مهما يكن من أمر- يخضع لإشراف حازم على الدوام.
 شـراء الوظائف
    كان يكفى فى بعض الأحيان أن يكون المال كفيلاً بشراء وظيفة الكاهن ليستمتع فيها بدون عناء. ونجد إشارات إلى ذلك فى العصور المتأخرة، فقد كان يتم أحياناً بعد وفاة أحد الكهنة أن يُعرض منصبه للبيع بما يحقق موارد إضافية للخزانة. وقد شاعت هذه الطريقة وأصبحت هى الطريقة المعتادة خلال الحكم الرومانى فى مصر .
تعليقات
الاسمبريد إلكترونيرسالة