U3F1ZWV6ZTE2NDAzNzE1MDYwMTE2X0ZyZWUxMDM0ODg4MTkwMzEzNw==

المصريون القدماء والحفاظ على البيئة




 المصريون القدماء والحفاظ على البيئة
لاشك أن الإنسان في أي زمان ومكان قد أدرك أنه جزء من البيئة التي يعيش فيها ويعايشها، يتأثر بما فيها من إيجابيات أو سلبيات. وليس من شك كذلك في أن الإنسان في كل مكان وزمان قد استشعر أهمية الأرض والهواء والماء على، اعتبار أن هذه العناصر تمثل الركائز الأساسية للحياة.
هكذا كان الحال بالنسبة للمصريين القدماء منذ استقروا على أرض مصر، وقد أخذوا يستوعبون بالتدريج مكونات بيئتهم من أرض سوداء وأخرى صفراء، ونهر ومصادر أخرى للمياه، وهواء نقي. ورغم أن المصريين القدماء لم يتركوا لنا في لغتهم مصطلحاً يشير إلى "البيئة" كما نعرفها الآن. إلا أن ما مارسوه في حياتهم اليومية، وما خلفوه لنا من وثائق، يؤكد بوضوح أنهم أدركوا معنى البيئة وأهميتها بالنسبة لهم، وعرفوا بأسلوبهم كيف يتعاملون معها، وكيف يحافظون عليها نظيفة صحية، حتى يمكن أن ينعموا بحياتهم أصحاء سعداء.
لقد أبدى المصريون القدماء، كما يتضح من نصوصهم والمناظر التي خلفوها لنا، اهتماما شديداً بنظافة أنفسهم، وأجسامهم، وملابسهم، وطعامهم، وشرابهم، ومنازلهم.
وبنظرة سريعة على بعض القطع الأدبية التي يزخر بها الأدب المصري، سنلاحظ ذلك. ففي بردية وستكار(قصة خوفو والسحرة) والتي تتضمن مجموعة من القصص حول ما يأتي به السحرة من معجزات، نلمس اهتمام المصري بنظافة الطفل منذ لحظة الولادة، فيقول النص: فانزلق الطفل على يديها، فجرى غسله، وقطع حبل سرته، ولفه بقطعة نظيفة من القماش. ثم يشير نفس النص إلى طهارة الأم بعد الولادة لفترة تستمر 14 يوماً.

وفي قصة الملاح الناجي، يرد بما يؤكد الحرص على الاغتسال بعد العودة من رحلة عمل، فنري الذي يقص القصة يقول "لقد عدنا بسلام، ...، اغسل نفسك، وصب الماء على أصابعك". وفي قصة الأخوين يرد "وعاد الزوج إلى البيت، ووجد زوجته راقده لم تصب الماء على يديه كعادتها". ويقول المؤرخ الإغريقي "هيرودوت" وهو يبرز اهتمام المصريين بالنظافة وعنايتهم بالصحة العامة: "كانوا يشربون في كئوس يغسلونها بعد تناول الشراب وكانوا شديدي العناية بلبس الكتان النظيف وغسله، وهم يمارسون الختان حرصاً على النظافة، ويحلق الكهنة شعورهم وأجسامهم جيداً تجنباً لظهور أية حشرات، حيث أنهم يقومون بخدمة الآلهة.
ويقول هيرودوت كذلك: أن المصريين هم أول من حرم مجامعة النساء في المعابد، كما حرموا دخول المعابد بعد الجماع دون اغتسال.
ومن خلال المناظر يبدو واضحاً أن المصريين قد اهتموا بتقليم الأظافر، وحلق الذقن، وقص الشعر، وغسل الفم والأسنان، والاستحمام ودهان الأجسام بالعطور. والمعروف أنه من بين الطقوس الدينية الهامة طقوس التطهير بالماء أو بالبخور، وقد عثر على الكثير من أدوات ومواد التطهير والغسيل.
وكان المصريون لا يغسلون أيديهم في طشت به ماء كما يفعل في الريف في بعض الأحيان، وإنما كانوا يخصصون أوان لصب الماء المأخوذ من الطست. وإدراكاً من المصريين لتأثير الحراراة العالية على اللحوم في وقت الصيف، نجد شخصاً يحذر آخر  قائلا: "لا تجعل اسمي مكروهاً أكثر من الرائحة العفنة للحم في وقت الصيف".
أما عن المنازل فقد اهتموا بنظافتها، حيث عثر على الكثير من المكانس التي كانت تصنع من ألياف النباتات. وتظهر النصوص والمناظر اهتمام المصريين بنظافة منازلهم، واهتمامهم بطقوس تنظيف وتطهير الأماكن المقدسة كالمعابد والمقاصير والمقابر.
وقد تضمنت معظم منازلهم مراحيض وحمامات، ولهذا نجد المؤرخ هيرودوت يقول: (إن المصريين يختلفون عن غيرهم من الشعوب الأخرى في أنهم يقضون حاجاتهم داخل بيوتهم، وهو أمر يشير إلى سلوك متحضر، كما يشير إلى حرص المصري على سلامة البيئة).

أما عن المخلفات الآدمية، فكان المصريون يتخلصون منها بدفنها في الرمال. وقد عرف المصريون نظاماً للصرف الصحي المغطى والمكشوف من خلال أنابيب فخارية أو قنوات، كما عرفوا المزاريب لتصريف المياه حتى لا تتجمع في مكان وتحدث آثاراً سلبية لكونها راكدة. أما عن القمامة، فكان المصريون يتخلصون منها بدفنها في باطن الأرض، خصوصاً في التربة الرملية الجافة.
وأشارت النصوص إلى مقاومة الحشرات في المنازل وفي الأماكن العامة بمواد استخلصوها من بيئتهم بعد تجارب طويلة.
                       
وأبدى المصريون اهتماما بنهر النيل شريان الحياة، وخصصوا إلها للفيضان، هو الإله حعبي. واهتموا بالحفاظ على مياه هذا النهر بأن نظموا ري الأراضي وشق الترع، وأقاموا السدود، وعملوا على تدعيم شواطئ النيل، وكبحوا جماح الفيضان قدر المستطاع حتى لا يضيع الكثير من ماء النيل.
وحرصوا في نفس الوقت على عدم تلويث ماء النيل وفروعه، وقد أكدت النصوص دائماً: "إن من يلوث ماء النيل سوف يصيبه غضب الآلهة".
وتؤكد قصة "سنوهي" على الاهتمام بنظافة الجسد، فيقول: "سكنت في بيت أحد أبناء الملك، وكان فيه حمام، وأزيلت لحيتي، وصفف شعري، وارتديت أحسن الملابس، وعطرت بأجمل العطور".


أما عن صيد الاسماك والطيور أو الحيوانات، فقد حددوا لها أماكن خاصة حفاظاً على الكائنات الحية والبيئة التي يعيشون فيها.
وفي ظل إدراكهم لأهمية الأرض كعنصر أساسي في البيئة، كانوا عندما يريدون أن يعبروا عن كارثة جرت لهم يقولون: "لقد أصبحت الأرض صحراء"، أي قلت المياه فجفت الأرض واختلت موازين البيئة.
كذلك فقد اهتم المصريون بحدائق المنازل وبالحدائق العامة،  وباستخدام الزهور في حياتهم وفي مماتهم. وحرَّم المصريون بناء المساكن والمنشآت الدنيوية والدينية في الأراضي الزراعية إدراكاً منهم بأنهم يعيشون على ذلك الشريط الضيق من الأرض الخصبة.
وكانوا يشيدون مقابرهم في الصحراء، حيث أن جفاف التربة يحافظ على أجساد موتاهم، بالإضافة إلى الحرص على أن يكون موقع الجبانة بعيداً عن موقع مدينة الأحياء.
وكان التحنيط يجري في أماكن بعيدة عن المنشآت الدنيوية، حرصاً منهم على صحة أحيائهم وسلامة بيئتهم. وكانت النصوص تحذر من يتسبب في وجود روائح كريهة في البيئة التي يعيش فيها الناس، حرصاً على صحتهم. هكذا ومن خلال هذه المظاهر وغيرها يمكن القول بأن المصري القديم قد أبدي حرصا شديداً على نظافة وسلامة بيئته، من أجل تحقيق الصحة والسلامة لكل من يعيش في رحاب هذه البيئة.


وإذا كان الأجداد قد سعوا للحفاظ على بيئتهم قدر استطاعتهم، فهل يمكن للأحفاد أن يحموا تراث الأجداد من الظروف البيئية الصعبة المحيطة به.
تعليقات
الاسمبريد إلكترونيرسالة